محمود عبد الراضى يكتب: أمى ثم أمى ولآخر لحظة فى عمرى
21 مارس.. تاريخ يمر على للمرة السابعة و500 كيلو متر تقريباً تبعدنى عن والدتى التى تقيم بالصعيد بينما مازلت أنا هنا فى قاهرة المعز، تحول هذه المسافة الكبيرة بيننا وتحرمنى الاحتفال بعيد الأم للمرة السابعة على التوالى، حيث مكثت 4 سنوات بين أسوار الجامعة بالقاهرة و3 سنوات أعمل فى صاحبة الجلالة، فحرمتنى السنوات السبع من الذهاب إليك يا أمى.
لا أظن أن الاعتذارات كافية.. ولا الاتصالات مجدية.. ولا الزوجة والأصدقاء وزملاء العمل قادرون على سد هذا الفارغ.. أعلم أننى مقصر معك، وبالرغم من ذلك فإن دعواتك لى لم ولن تنقطع، تخالط كل يوم أذان الفجر وترتفع إلى عنان السماء.. أعلم أنك تنتظريننى فى صدور جريدة "اليوم السابع" كل صباح حتى تبعثى أصغر أشقائى ليشتريها ويقرأ عليك ما كتبت من أخبار..أعلم أن النوم يخاصم جفون عينيكِ عندما تعلمين أننى سأطل على التلفاز من خلال إحدى برامج التوك شو، حتى تشاهدي ثمرة ما زرعتِ وحصاد ما غرستِ..أعلم أنك تصفقين تارة وتضحكين تارة أخرى وربما تزف عينك دمعا بطريقة عفوية ولا تنامى حتى تطمئنى على الابن الغائب.
أظن أنك لا زلت ترددينها "سرقتك الغربة يا ابنى" نعم يا أمى فمرارة الغربة مثل الحنظل، فنحن هنا فى القاهرة نعيش كالغرباء تتوه المعانى الجميلة وسط زحام القاهرة، وننسى أنفسنا فى وسط قسوة العاصمة، نهارنا كليلنا ينتهى اليوم كما بدأ لا جديد، يهزنى الحنين إلى موطنى كلما عزفت عن الأكل الملوث واشتقت إلى نيل قريتنا كلما ابتعدت عن مياه القاهرة التى يجرى معها المرض فى أجسادنا، أشتاق إلى قريتى "شطورة" فى جنوب الصعيد بسوهاج وأراضيها الزراعية كلما وجدت الكتل الخرسانية أكلت الرقعة الزراعية بالقاهرة، ما أحوجنى إلى حنان الأم فى ظل هذه الظروف القاسية التى بدأت تحاصر حياتنا وأصبحت جزءا من يومنا.
لا أجد فى مصطلاحات اللغة لفظا يرادف كلمة "أم" ولم أجد فى الدنيا مخلوقا أحن من أمى، ولن أجد ما أقدمه إليك عوضا عما فعلته معى من عطاء لم ينقطع سوى أن أدعو ربى ألا يحرمنى منك.
عندما يطل على يوم 21 مارس.. أتذكر أمهات شهداء بورسعيد الذين لقوا مصرعهم فى لحظات غدر نالت من شباب فى عمر الزهور، وأشعر بحرقة قلب والدة "خالد سعيد" التى راح فلذة كبدها غدرا لأشخاص لا تعرف قلوبهم الرحمة، وأتعاطف مع مئات أمهات الشهداء الذين سقطوا بميدان التحرير دفاعا عن الحرية والكرامة، فيا كل أم شهيد لا تحزنى فموعدك معه فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.