شهدت على المذبحة المروعة الملائكة
الأبرار، فالضحايا كانوا قد انتهوا من قرآن الفجر المشهود ودخلوا في ركعتهم
الثانية حين مسحهم رصاص غادر من الدنيا.
لم نسمع عزاء ولا مواساة. لم يكن في
جعبتيهما دواء نفسي للمصاب الفادح، ولو من باب المجاملة أو الاستهلاك
الإعلامي. لم نسمع إلا وعدًا بعدم اتخاذ إجراءات استثنائية ضد المتظاهرين
خلال أحداث تلك المذبحة. شكرًا يا باشا نورت المحكمة. في الدول التي تحترم
شعوبها وآدميتهم نسمع عن استقالات فورية لا مؤتمرات صحفية لم تقل شيئًا ولم
تجد ما تبرر به إطلاق الرصاص الحي على المدنيين.
أصاب عبدالمنعم أبو الفتوح عندما طالب
باستقالة الرئيس الانتقالي، فهذه أول كارثة فادحة في عهده، وهي كارثة لم
تحدث في عهد أي رئيس سابق من عبد الناصر إلى مرسي، لأن المتهم فيها مؤسسات
رسمية تملكها الدولة ويمولها الشعب، ومهمتها حمايته لا قتله. لكن هذا لا
يكفي. كان يجب أن يسارع وزير الدفاع ووزير الداخلية بالاستقالة بحكم
مسئوليتهما السياسية أو أن يقيلهما رئيس الجمهورية. كيف له ذلك وهو معين من
الأول الذي يملك في يده أوراق الحل والعقد. لم نسمع إلا أسفًا من الرئيس
المؤقت، وهو أسف من عينة "البقاء لله جعلها آخر أحزانكم"، ثم تفرغ بعد ذلك
للإسراع في إصدار الإعلان الدستوري وتسريب اسم رئيس الحكومة الانتقالية، هو
ثالث اسم يتم تسريبه بعد البرادعي وبهاء الدين، وأخيرًا سمير رضوان وزير
المالية الأسبق في حكومة شفيق. كان الهدف أن ينسى الرأي العام المذبحة أو
المجزرة، سمها ما شئت، فنحن لم نشهد مثلها إلا في البوسنة والهرسك وسوريا.
أما وزيرا الدفاع والداخلية المعنيان المباشران بالأمر فقد تواريا، اختفيا
عن الناس تاركين المتحدثين الرسميين والإعلام الشمولي يقومون بما يلزم.
لم يلطخ مصر عار في تاريخها مثل هذا
العار. لا يمكن محو ذلك الفجر الحزين من ذاكرة المصريين حينما انهال الرصاص
ليحصد الأوراح البريئة فتذهب جثامينهم جماعات إلى عدة مستشفيات، ثم تكمل
القنوات الفضائية الرسمية والخاصة المهمة بإلقاء المسئولية على الشهداء
الأبرار بأنهم المجرمون والقتلة والقناصة والطرف الثالث، وأن من حصدهم
حصدًا كان في حال دفاع عن النفس.
ويبقى دعاة الليبرالية والعلمانية الذين
علق بعضهم بكلمات عائمة. توقعت إدانة مباشرة من البرادعي، لكن عالمه
التويتري الخاص لم يقل سوى كلام يقبل القسمة على جميع الأرقام. هل هذا هو
محمد البرادعي الذي بشرونا بأن رحم عهده سيلد لنا الحرية وحقوق الإنسان
والكرامة؟!
farrag.ismail@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق