اللجان الشعبية تحرج الأمن بالشرقية بعد تأمينهم لمباراة بورفؤاد

الخميس، 30 مايو 2013

أثيوبيا وتحويل مجرى النيل : نحو تفادي الانصياع للتوترات وارتجالية الاستجابات وبنية رد الفعل المبالغ فيه

كتب الاعلامى /
حسن الصادق
صورة


أعلنت الحكومة الإثيوبية بشكل مفاجئ عن بدء تحويل مجرى النيل الأزرق (أحد روافد نهر النيل) لاستكمال عملية بناء سد النهضة. وقال "سمنياوا بقلي"، مدير مشروع السد، إن جميع الاستعدادات والترتيبات اكتملت لتحويل مجرى نهر النيل، معتبرا أن تلك الخطوة تأتي "إيذانا بعملية البدء الفعلية في مشروع بناء سد نهضة إثيوبيا"، مشيرا إلى أن عملية منع المياه من مكان بناء السد هي "مرحلة متقدمة في هذا المشروع". مضيفا أنه كان من المقرر أن تبدأ عملية تحويل مجرى نهر النيل في شهر سبتمبر المقبل، "إلا أننا تمكنا من إنجاز المهمة قبل موعدها". فيما وصف المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية، "بريخيت سمؤون"، يوم بدء العمل في تحويل مجرى النيل الأزرق بـ"التاريخي، والذي سينحت في ذاكرة الإثيوبيين"، مشيرا إلى أن هذا الحدث يتزامن مع احتفالات الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية (الحزب الحاكم) بمناسبة الذكرى الـ22 لوصول الائتلاف الحاكم إلى السلطة عقب الإطاحة بنظام (منجستو هيلى ماريام) في 28 مايو 1991. ويرى الخبراء أن عملية تحويل مجرى النيل الأزرق يعد بمثابة محطة مهمة في مرحلة بناء سد النهضة، معتبرين أن تحويل المجرى هو بمثابة إنجاز نحو 50% من مراحل بناء السد، مضيفين أن تلك المرحلة تعد من أخطر المراحل نظرا لطبيعة المنطقة الجغرافية التي تحيط بالسد الذي يقع في منتصف جبلين.
جدير بالذكر أن بداية فكرة السد كانت في منتصف خمسينيات القرن الماضي، حينما وافقت الحكومة الأمريكية على الطلب الإثيوبي في إمكانية التعاون معها للقيام بدراسة شاملة لحوض النيل الأزرق، خاصة بعد عزم مصر علي إنشاء السد العالي في ذلك الوقت، وجرى التوقيع على اتفاق رسمي بين الحكومتين في أغسطس 1957. وانتهت تلك الدراسة بتقديم تقرير الحالة الاجتماعية والجيولوجيا والموارد المعدنية، والمياه الجوفية، استخدام الأرض، وأخيرا والاقتصادية لحوالي 35 حوض فرعي وأعلنت الدراسة من خلال 7 مجلدات مكونة من تقرير رئيسي بعنوان ''الموارد الأرضية والمائية للنيل الأزرق'' عام 1964، لإنشاء السدود أهمها أربعة سدود على النيل الأزرق.
وتبلغ تكلفة سد النهضة نحو 4,8 مليار دولار أمريكي، والتي من المتوقع أن تصل في نهاية المشروع إلي حوالي 8 مليار دولار أمريكي للتغلب علي المشاكل الجيولوجية التي سوف تواجه المشروع، كما هو معتاد في جميع المشروعات الإثيوبية السابقة، وقد أسند هذا السد بالأمر المباشر إلي شركة "سالني" الايطالية.

ورغم أن الحكومة الإثيوبية تعجز منذ عام 2006 عن تكملة سد جيبي3 علي نهر أومو المتجه نحو بحيرة توركانا (كينيا) بسبب عدم توفر المبلغ المطلوب والذي يصل إلي حوالي 2 مليار دولار أمريكي، إلا أنها مصرة على المضي قدما في استكمال سد النهضة ليصبح المطلوب توفيره حوالي 7 مليار دولار أمريكي للسدين.
وبالإضافة إلى ذلك، من المخطط أن تقوم أثيوبيا ببناء ثلاثة سدود أخرى على النيل الأزرق فور انتهائها من بناء سد النهضة بسعة تخزينية تبلغ حوالي 200 مليار متر مكعب، وهو ما يساوي أربعة أمثال تصريف النيل الأزرق. هذا فضلا عن سد تكيزى الذي أقامته في 2009 على نهر عطبرة أحد روافد النيل، الأمر الذي سيمكنها من التحكم الكامل في نهر النيل وكميات المياه التي تذهب إلى مصر والسودان وبالتالي التحكم في مصائرهما.
وبعد الانتهاء من بناء هذه السدود الأربعة على النيل الأزرق، ستتمكن أثيوبيا من توليد 20000 ميجاوات من الكهرباء أي حوالي 9 أمثال ما ينتجه السد العالي بالإضافة إلى 25000 ميجاوات من الأنهار الأخرى في أثيوبيا. وبذلك تصبح المصدر الرئيسي والمحتكر للطاقة في منطقة شرق أفريقيا، والتي ستصدرها إلى جيرانها جيبوتي والصومال في الشرق، وكينيا وأوغندا في الجنوب، والسودان وجنوب السودان في الغرب، ومصر وأوروبا في الشمال.
الرد المصري الرسمي:
في مواجهة التطورات الأخيرة، أعلنت مؤسسة الرئاسة أن هذه الخطوة طبيعية وتأتي كإجراء هندسي أثناء عملية بناء السد، فإما أن يتم تحويل مجرى النهر أو تجفيفه، مع التأكيد على أن هذا الأمر ليست له آثار سلبية على حصة مصر من المياه.
ويأتي هذا الموقف متناغما مع تأكيد رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام خلال لقاءه الرئيس مرسي على هامش أعمل القمة الاستثنائية لقادة دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، على "ضرورة مواصلة التنسيق بينهما في ملف مياه نهر النيل، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، واستنادًا إلى التزام كل طرف بمبدأ عدم الإضرار بمصالح الطرف الآخر".
وتنتظر مصر تقرير اللجنة الثلاثية المكلفة بتقييم سد النهضة، حتى تتخذ الموقف المناسب. ورغم أنه من المتوقع صدور تقرير اللجنة أواخر مايو الجاري، إلا أن علاء الظواهري، أحد أعضاء اللجنة أكد أن اللجنة ستوصى في تقريرها بمزيد من الدراسات حول آثار تشغيل السد على حصة مصر وحصة السودان من مياه النيل، موضحًا أن "الدراسات التي قدمها الجانب الإثيوبي بشأن سد النهضة لم تكن كافية لإثبات عدم الضرر على مصر من بناء السد"؛ وهو ما سيدفع باللجنة الثلاثية إلى المطالبة بإجراء دراسات إضافية يقوم بها الخبراء الدوليون في اللجنة، وعددهم 4 خبراء".
التصعيد الإعلامي:
قوبل الموقف الهادئ لمؤسسة الرئاسة والذي يريد عدم استباق التطورات واتخاذ مواقف متشددة قد تعود بالضرر على مصر، برفض من وسائل الإعلام المصرية والقوى السياسية التي رأت أن قيام إثيوبيا بتحويل مجرى النيل الأزرق يعد عدوانا صريحا على الأمن القومي المصري ويجب الرد عليه بكل الوسائل المتاحة بما فيها استخدام القوة المسلحة.
ويبدو أن الأصوات المنادية باستخدام القوة المسلحة لضرب سد النهضة، فعلت ذلك في سياق ردود الفعل المبالغ فيها إزاء كافة القضايا الداخلية والخارجية، كنوع من المعاندة السياسية التي سيطرت وما زالت على وسائل الإعلام والقوى السياسية المعارضة للنظام الحاكم.
من ذلك ما قاله الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري الأسبق، الذي قال إن "قرار أثيوبيا بتحويل مجرى النيل يعد نوعا من الخداع والمعاندة الأثيوبية تجاه مصر، خاصة وأن القرار جاء بعد انتهاء مشاركة الرئيس محمد مرسى في القمة الأفريقية التي عقدت في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا". وكأن التحرك الأثيوبي "مفاجئ" وليس جزءاً من عملية تتابعية متصلة من الخطوات بدأت منذ فترة بعيدة وكان مقرراً لها أن تصل إلى يوم 28 مايو لتتطابق مع ذكرى الانقلاب الذي أوصل التحالف الحالي إلى السلطة). وأضاف أن "هذه السد وغيره من السدود التي ستبنيها أثيوبيا ستتسبب في إلغاء دور السد العالي ونقل محبس المياه من أسوان إلى أثيوبيا والتحكم في وارداتنا من المياه حسب ما تقرره مفوضية حوض النيل التي يتم التخطيط لإنشائها في عنتيبى وإعادة تقسيم مياه النهر على ضوء اتفاقية عنتيبى".
لكن يجب الإشارة إلى أن فكرة الربط بين القمة الأفريقية والقرار الأثيوبي ووصفه بأنه "مفاجئ" هو جزء من عملية التسخين واستحثاث التصعيد وتأجيج التوترات والرغبة في التسرع في الاستجابات. ولذلك فإنه من الواجب التحرك دون عقلية التوتر والقلق والاضطراب الذي قد يؤدي إلي مزيد من التأزيم والمزيد من المشكلات لأن التحرك الهادئ والبحث العميق في الأبعاد الاقتصادية والإستراتيجية في المسألة سيؤدي إلي العمل علي إيجاد تحرك مصري مباشر من خلال تنسيق المواقف المصرية السودانية، للاتفاق على البدائل المتاحة لمواجهة الأزمة وأهمها التفاوض والتحكيم الدولي، بحيث يكون اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة هو آخر الحلول بعد استنفاذ كافة البدائل الأخرى.
ويجب التأكيد على أن رد الفعل الاستراتيجي والمحسوب والمخطط له بدقة وعلى مستويات متعددة وبخطوات متتابعة، يجب أن يكون هو السلوك المتبع دون انفعال أو استشعار حرج اللحظة. ذلك أن عشوائية الاستجابة علي حساب عقلانية الأداء وموضوعية التفاعل ودقة الاستجابة، سيؤدي إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق